الأعلانـــات
المقالات
السياسات العامة للأمن المجتمعي واثرها على التنمية المستدامة
السياسات العامة للأمن المجتمعي واثرها على التنمية المستدامة
 

الاستاذ الدكتور
عمـر جمعـة عمـران
رئيس الجمعية العراقية للعلوم السياسية


 
    تعد السياسات العامة التي تؤديها الحكومات في الدول من أهم مواضيع علم السياسة اليوم سواء على المستوى العلمي الاكاديمي وكذلك على مستوى الممارسة العملية ، اذ تشكل اهم مظاهر نجاح الدولة او فشلها في تأمين متطلبات المجتمع فضلا عن مبررات وجودها . اذ تتميز السياسة العامة التي تقوم الحكومة بإقرارها وتنفيذها بالتنوع والشمول والتغلغل، فهي تدخل في جميع مجالات الحياة العامة داخل الدولة، لتمس نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية كافة، فضلا عن تأثيرها المباشر على جميع أفراد المجتمع، كون السياسة العامة اداة لتنظم وحل المشكلات وتوفير الاحتياجات للمجتمع كافة، لذلك تؤثر بطريقة مباشرة او غير مباشرة بالسلب والإيجاب لانها تهتم بنوعية ومستويات الحياة المجتمعية.
اولا: مفهوم الأمن المجتمعي
      اما مفهوم الامن فيعد من المفاهيم المتداخلة مع المفاهيم الاخرى وذلك يرجع الى كونه مفهوم نسبي ومتغير بفعل الظروف والاحداث واحكام الزمان والمكان ويحمل ابعاد ومستويات متنوعة ويتعامل مع وحدات متداخلة تتعلق بالفرد والدولة والمجموعات الدولية، واذا كان الأمن يعد مفهوم مركب وشامل فأن استراتيجية تحقيقه بدورها ذات ابعاد وجوانب متنوعه ومتكاملة، فالأمن يشكل منظومة على المستوى الفكري واستراتيجي على المستوى الواقعي، بمعنى ان هناك مجموعة مقومات فكرية (قيم) وموضوعية (وسائل) لتحقيق غاية الأمن والتي هي حصيلة مستويات من الاستقرار الداخلي والخارجي معا . 
     فضلا عن ذلك ان للأمن مستويات متعددة تتسع او تضيق وفقا لنطاق واغراض الوظيفة الامنية للدولة واليات عملها وحسب ظروف كل دولة ، ولذلك تختلف تلك المستويات افقيا وعاموديا غير انها تتكامل في سياق ابعاد الاطار الوظيفي ، الى جانب الغاية المتوخاة للأمن، فهناك من يؤشر بعد السياسي يتعلق بحماية وحدة الدولة من الناحية القانونية والسياسية وحماية المصالح الحيوية وإيجاد الظروف الملائمة لتسيير مؤسسات الدولة وفق المصلحة العليا ، والبعد الاقتصادي المتعلق بتوفير كل اشكال الاستقرار وازالة اسباب التوتر المؤثرة عل سير الاقتصاد الوطني وعملياته وما يتعلق بحياة ورفاهية الفرد والمجتمع ، اما البعد المجتمعي فيتعلق بكل مظاهر الازمات المهددة للاستقرار الداخلي ولا سيما العابرة للحدود والمحفزة للكراهية الدينية والعرقية والعنف والارهاب والصراعات ، ويشكل البعد الايديولوجي مستوى يتعلق بحفظ الانساق العقائدية للمجتمع  وتامين الافكار والتقاليد وكبح عوامل الفوضى. 
      وفي ظل التطورات المعاصرة اخذت مستويات وابعاد الامن تأخذ مديات ابعد واوسع تتضمن مواجهة التهديدات وضمان الكرامة الإنسانية وفق نطاق يشمل امن صحي وتعليمي وبيئي وغذائي واجتماعي وشخصي ...الخ وهو ما انعكس عل الوظيفة الامنية للدولة، لذلك عد الأمن هو التنمية وبدون التنمية لا يكون هناك أمن وهو قدرة الدول والمجتمعات على الحفاظ على كيانها المستقل وتماسكها الوظيفي من اي تحدي او صعوبة، اما الأمن المجتمعي فهو مفهوم يعبر عن قدرة الفرد بالعيش حياة اجتماعية امنة مطمئنة محافظا على نفسه وعلى مكانه الذي يعيش فيه، وهو محصلة جميع الإجراءات اللازمة لحماية المجتمع ضد كل تحدي من تقدمه لتحقيق اهدافه بما يتوفر لديه من امكانيات وقدرات متاحه، وهو ايضا مجموع الاجراءات والخطط التي تتخذها الدولة لتأمين المجتمع من خلال استغلال كامل الطاقات المختلفة لتحقيق الحياة الكريمة لكافة مواطنيها.   
وبناءاً على ماتقدم فان مفهوم الأمن المجتمعي يرتبط بالاستقرار وعدم الخوف وفي حالة توفر منظومة متكاملة من الأمن بأبعاده ومستوياته السياسية والاقتصادية فضلا عن الأمن الغذائي والامن الصحي والأمن الفكري .
ثانيا . مفهوم السياسات الامنية وابعادها في المجتمع
      السياسات الأمنية هي رؤية الحكومات للتعامل مع التهديدات الداخلية والخارجية بما يجعل مواطنيها يشعرون بالطمأنينة وغياب الخوف والعنف ضدهم، أو التعرض لخطر يهدد حياتهم، كما أن جوهر السياسات هي مصلحة الدولة، وانعكاسها على حياة الأفراد بصفتهم مصدر السلطة الحقيقية، ويتم تحقيق الأمن والسلم من خلال سياسة أمنية راشدة تتبعها الدولة، تكفل بتوفير حياة آمنة للمواطنين وكذلك تأمين احتياجاتهم، فضلًا عن التكفل بالوسائل التي تجعل الدول الأخرى آمنة على حدودها، إذ تتفق جميع الدول والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، والجماعات في المجتمع ، على مبدأ توفير الأمن للإنسان واحتياجاته، وتتداخل السياسة الأمنية مع السياسات الأخرى داخل الدولة، وتكون مكملة لبعضها الآخر في تحقيق الأمن والاستقرار، والتي لا يمكن الفصل بينها أو أن تطغى واحدة على أخرى، ، اذ ان ذلك يعد من اهم تحديات وظائف الدولة في تحقيقها الأمن والتنمية للأفراد.
 اما اهم ابعاد سياسات الأمن المجتمعي :
1.البعد الاقتصادي: ويتضمن القدرة على توفير مصادر الدخل للأفراد وكفايته واستقراره، وتوفير متطلبات المعيشة من مسكن، و فرص عمل ومواجهة البطالة، وتدريب وتأهيل الأفراد للعمل.
2. البعد الغذائي : ويعني أن تكون لدى المواطنين في جميع الأوقات إمكانية الحصول ماديا واقتصاديا على الغذاء الأساسي اللازم والصحي والأمن .
3. البعد الصحي: ويقصد به توافر الخدمة والرعاية الصحية الجيدة بأسعار مناسبة، وقدرة الأفراد على الحصول على تلك الخدمة، والوقاية من الأمراض.
4. البعد البيئي: ويقصد به كفالة السلامة البيئية لجميع الأفراد ، وحمايتهم من التهديدات البيئية، خاصة مشکلات مثل: التلوث، وحسن التعامل مع الموارد الطبيعية المتاحة .
5. البعد الاجتماعي: ويقصد به شعور الفرد بانتمائه للجماعة، والمجتمع، سواء أكانت أسرة، أو مجتمعا محليا، أو منظمة أو جماعة قومية أو عرقية، ويمكن أن توفر المساندة له.
6. البعد الشخصي: ويعني ضرورة احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وكفالة حرية الممارسة السياسية للمواطنين، حماية الفرد من أي اعتداء على نفسه أو ممتلكاته أو أسرته، سواء من مؤسسات حكومية أو غير حكومية أو من جماعات أو أفراد ، كما يعني حماية فئات محددة مثل المرأة والطفل. 
 ثالثا. أهداف السياسات الانمائية وعلاقتها بسياسات الامن المجتمعي :
إ    ن الاستدامة هي فلسفة ورؤية جديدة للبحث عن نشاطات اجتماعية واقتصادية وأنماط إنتاجية واستهلاكية، وتقنيات تعمل على استدامة التنمية وتمكين الجيل الحالي وتحسين حياته وضمان حياة ملائمة للأجيال القادمة ، ويمكن تعريف السياسات الإنمائية على أنها " الأسلوب أو الفلسفة التي تتم بها عملية التنمية، أو هي تحديد خطوط التحرك الجوهرية التي تكفل نقل المجتمع من  حالة التخلف إلى حالة التقدم، كما أنها الركيزة الأساسية لتحقيق الأهداف القومية العليا التي يتم مراعاتها عند وضع الخطط والمشروعات والبرامج، ولا يمكن النظر إليها بمعزل عن الأنشطة المتعددة والمتداخلة التي تنتهي باتخاذ القرارات المؤثرة في المجتمع، وتبدأ هذه الأنشطة أولا بصياغة أهداف عامة يسعى المجتمع للوصول إليها  وهو ما يعبر عنه بصياغة أهداف السياسات التنموية  وتستمر عبر مراحل مختلفة حتى يتم ترجمتها في عدد من الخطط التفصيلية والبرامج ذات الأهداف المحددة التي يتم تنفيذها عبر شبكة كبيرة من الهيئات والأجهزة.
ولعل من اهم ألاهداف الإنمائية القضاء على الفقر والجوع، وتحقيق تعميم للتعليم ، وتعزيز المساواة المجتمعية وتمكين الافراد المرأة. وتخفيض معدل وفيات الأطفال، وتحسين الصحة العامة، وضمان الحفاظ على البيئة. وإقامة شراكة عالمية من أجل التنمية لذلك فان اهم ركائز سياسات الأمن المجتمعي في مجال تحقيق التنمية المستدامة هي :
1.     تلبية الحاجات الضرورية للأفراد: من أجل ضمان أمن اجتماعي راسخ في أي مجتمع ينشد الرفاهية الاقتصادية لمواطنيه فأنه يتطلب وضع حلول جذرية لمؤشرات التخلف التي تعرقل مسيرة النهوض والتنمية كنقص لرؤوس الأموال وسوء ادارة المنشآت الخاصة بالقطاع العام وتدني مستوى دخل الفرد وسوء استخدام الموارد الاقتصادية القائمة وتفاقم الديون الخارجية والتبعية الخارجية. 
2. خلق بيئة تساعد الفرد على الاندماج والعيش المشترك: يعني الاندماج الاجتماعي ازالة الحواجز بين الجماعات المختلفة للعيش بشكل متضامن.
3. تحقيق العدالة الاجتماعية: اي التوزيع العادل والمنصف لموارد المجتمع المادية والمعنوية بعدها ملكا لجميع افراد المجتمع وذلك من خلال :الاعتماد على ثلاثة محددات أولهما التوزيع المتوازن للموارد المالية على مختلف أنحاء البلاد دون استثناء وثانيهما ضمان الحقوق والحريات العامة للجميع دون تميز او أقصاء وثالثهما ضمان التمثيل العادل لشرائح المجتمع وفئاته في الإدارة العامة للدولة ، والحفاظ على السلم الاجتماعي ومنع واندلاع أعمال العنف والاضطراب .
4. التوافقات السياسية واستقرار الأوضاع الأمنية: أن مفهوم الاستقرار في العلوم الاجتماعية يطلق على ثبات الوضع الاجتماعي الذي يحدث فيه تغير مفاجئ وبعباره اخرى عدم حدوث تغير مقصود من المجتمع نفسه أو من خارجه يقوم بتغيير النسق وتوازنه فيتغير حاله، وقد يخرج من الاستقرار والثبات الذي كان عليها الى حالة عدم الاستقرار والأرتباك في مؤسساته الاجتماعية التي يسعى من خلالها الى تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي، لذلك فان تحقيق الاستقرار مطلب اساس للسلطة الحاكمة كونه مقياس نجاحها ومدى كفاءتها في إنجازاتها الأمنية .
5. تطبيق برامج وخطط التنمية المستدامة: التنمية المستدامة تعني النمو الذي يشهده المجتمع بواقع ثقافة الفرد وقدرته على تنفيذ الأدوار والمهام التي تقع على مسؤولياته لذا فأن التنمية تعني الاستثمار في رأس مال البشري وقدرته للنهوض بواقعه وخبرات أفراده، أن تحقيق التوترات الاضطرابات الاجتماعية من ركائز التنمية المستدامة في المجتمعات الفقيرة التي تعاني من بعض الأمور التي تطيح بالأمن لذا تعمل على تسوية الخلافات بين المكونات الاجتماعية وضمان الحاضر والمستقبل أن محاولة تخليص الناس من الفقر والاستبعاد الاجتماعي من أولويات التنمية المستدامة، وبذلك مكافحة الأمور لا يرتبط بالسياسات الاقتصادية فقط بل تتطلب تحقق تنمية اجتماعية تمكن أفراد المجتمع من القوة عن طريق زيادة المؤسسات الاجتماعية، وعلى ضوء ذلك فأن جهود التنمية المستدامة لا سيما بعدها الاجتماعي ينبغي أن تتركز على المناطق التي تمثل منبعا للعنف والتوتر نظرة لقصور سكان هذه المناطق بالأقصاء والإهمال من السلطات المختصة ونتيجة لذلك فهم يحملون روح النقمة عليها بسبب ظروفهم السيئة المفتقرة لأبسط مقومات الصحة العامة ناهيك عن قلة فرص التعليم والعمل، وبذلك نلخص القول ان الاعتماد على أحداث تنمية شاملة يمثل رهانا رابحا في بسط الأمن والاستقرار المجتمعي.
 رابعا. سياسات الأمن المجتمعي واثرها على التنمية المستدامة
      ترتبط السياسة العامة للأمن المجتمعي بالتنمية المستدامة ، من خلال الاشتراك في التدبير المخطط لمواجهة التهديدات والتحديات التي تستهدف توفير حاجات الانسان المادية، وبغض عن النظر عن حجم الدولة كانت كبيرة أم صغيرة، اضافة الى ذلك هي ترسم سياسات لبناء نظامها الاقتصادي الذي يرمي إلى تحقيق نمو الثروة الاقتصادية الذي يزيد من قوة الدولة، فضلًا عن توفير الخدمات والسلع لإشباع حاجات المواطنين. ويتبين لنا أن الأمن الوطني ليس فقط توفير الأمن للمواطنين، وإنما المشاركة في تحقيق رفاهية الشعب وتوزيع الثروات والفرص عليهم بشكل متساوي لتطوير مهاراتهم واشاعة مبدأ العدل والمساواة في تحقيق مصلحتهم. وتُعد السياسات الاقتصادية الوسيلة الأساسية للوصول إلى حرية الفرد، في حين يرى بعض أنها الوسيلة للوصول الى المساواة العامة للمجتمع، وذلك من خلال التوزيع العادل للثروات والأنشطة الاقتصادية المختلفة والتجارة، ومدى تمتع المجتمع بالرخاء والازدهار، ومن ثم فإن عملية التفاعل بين المؤسسات السياسية والاقتصادية لها أثر كبير في المستوى الأمني للدولة. أصبحت السياسة الاقتصادية للدول من أهم السياسات العامة للدولة، بمعنى إن الدولة الناجحة في استغلال مواردها الطبيعية وعدم الاعتماد على مصدر واحد، واستثمارها والتخطيط لها في تغطية الاحتياجات كافة الاقتصادية والمالية والغذائية للأفراد داخل الدولة، بعيدًا عن سيطرة سياسات بعض الدول لتفويت الفرصة عليهم في الهيمنة على اقتصاد تلك الدولة، ولابد للدولة أن تهتم بالمشاريع الاستراتيجية التي تحافظ على الأمن الوطني مثل المشاريع الزراعية، والغذائية، ومشاريع انتاج السلع الرأسمالية، وقد أصبح الغذاء أحد الاسلحة الحديثة الذي تستعمله الدول في محاربة الشعوب والسيطرة عليها، كما ويؤدي الغذاء دورًا مهمًا في الحفاظ على صحة الأفراد، وأصبح الغذاء هدف تسعى إليه الدول من أجل تحقيقه. 
    وبناءا على ماتقدم ينبغي على الدول أن تهتم بالتخطيط للسياسات الاقتصادية ألاكثر استجابة وفاعلية لمواجهة التهديدات المحتملة من خارج الدولة، وهذا النوع من التهديدات قد يفوق التهديد العسكري، لأنها من خلال الهدر في جزء من موارد الدولة تؤدي الى إضعافها وتؤثر في قراراتها، ومن جهة أخرى فإن التهديدات الاقتصادية قد تؤدي أيضًا إلى تصاعد حدة التنافس الاقتصادي ، فالسياسات التنموية هي ليست هي فقط وقائية أي بمعنى دفاعية، وإنما يجب أن تكون بمثابة الهجومية وتعني التعرف على القدرات الاقتصادية المحلية وللدول الاخرى ومستوى النمو فيها واستعداداتها، وكذلك السعي في جذب رؤوس الأموال والاستثمارات وتفعيل دور القطاع الخاص، ومحاربة الجرائم الاقتصادية منها غسيل الأموال والتهريب، والقضاء على الفساد المالي والإداري، فضلًا عن تطوير مهارات المواطنين والاستفادة من قدراتهم في دعم اقتصاد الدولة، الى جانب العمل على توفير احتياجات الأفراد الأساسية وزيادة فرص العمل لهم ورفع المستوى المعيشي، وإدخال التكنولوجيا الحديثة والعمل بها، وبما أن القوة الاقتصادية احد اهم عناصر قوة الدولة فإنها تًمكّن الدولة من تحقيق مصالحها الحيوية العليا، وأن حصول الدولة على قوة اقتصادية فعّالة تمنحها استقرار داخلي ونفوذ سياسي على المستويين الإقليمي والدولي، ووبما ينعكاس بصورة إيجابية على الأمن الوطني للدولة بصورة عامة.
 
2023-12-01 04:22 PM2505