الأعلانـــات
دور الهيكل المؤسسي في السياسة الاستثمارية - محافظة بغداد أنموذجاً -
دور الهيكل المؤسسي في السياسة الاستثمارية - محافظة بغداد أنموذجاً -
 

علي احميد عبيد
عضو الهيئة العامة للجمعية العراقية للعلوم السياسية
ماجستير علوم سياسية
 

 المقدمة: 
جاء العام 2003 بمفاهيم جديدة على المستوى العام سواء السياسي منها أو المجتمعي والاقتصادي أيضاً ومنها مفهوم الاستثمار بشكله الحديث، فبعدما كان النظام قبل 2003 شمولياً مركزياً أصبح بعد التغيير في 2003 مختلفاً ودخل مفهوم الاستثمار على الخط العام لنسمع به ونراه مقنناً بداية مع أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم (39) في أيلول 2003، ومن ثم قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 وما تبعه من قوانين وتعليمات معدله وشارحة لنص القانون الأصلي. وجاء هذا البحث لتسليط الضوء على هيئة استثمار محافظة بغداد من حيث الهيكلية والدور الاستثماري الذي اضطلعت به من العام 2009 كون أن نواة الاستثمار في بغداد بالتحديد لم تتبلور إلّا بتشكيل هيئة استثمار بغداد في مطلع العام 2009 وليس من المنطق أن نتحدث عن الاستثمار ولم تنشأ الحلقة التنظيمية للعمل الاستثماري بعد ألا وهي هيئة استثمار بغداد، الجدير بالذكر أن الهيئة الوطنية للاستثمار تأسست في العام 2007 وباشرت العمل في 2008 إلّا أن الهيئة استثمار بغداد تأسست بعد هذا العام وبهذا نتحدث عن الاستثمار من العام 2009.
المحور الأول: البناء النظري
يُعَدُّ المدخل النظري بمثابة المُكوِّن الرئيسي للأبحاث والرسائل العلمية، فهو بمثابة الهيكل العظمي بالنسبة للإنسان، ودونه سوف يُصبح مقال مُطوَّل خالٍ من أي لمحات أو أطر بحثية، وعليه لا يمكن الخوض في الاستثمار دون الحديث عن الإطار النظري له.
لقد تعددت محاولات تعريف الاستثمار من قبل رجال الاقتصاد، واختلفت مفاهيمه من نظام أي آخر، فلكل نظام مفاهيمه وخصائصه ورؤياه الخاصة في التنمية الاقتصادية الشاملة، ذلك أن الاستثمار يحقق الرفاهية الاقتصادية ويدفع بعجلة النمو إلى المزيد من التطور وفقا لضوابط معينة.
فالاستثمار لغة: هو مصدر الفعل استثمر، وهو توظيف الأموال في مشروع تجاري أو زراعي أو نحوها، وهو حمل الشجر، ويطلق على أنواع المال[1].
أما الاستثمار اصطلاحاً: المفهوم الاقتصادي للاستثمار هو تخصيص راس المال للحصول على وسائل إنتاجية جديدة، او هو تطوير لوسائل إنتاجية قائمة للحصول على مزيد من السلع والخدمات، ويقسم الى:
أولا: استثمارات القطاع الخاص والتي تصنف من حيث راس المال المستثمر الى استثمار محلي واستثمار أجنبي والاخير يتم اجتذابه الى البلد واستضافته من خلال مجموعة من الاجراءات تعرف بمحفزات الاستثمار.
الثاني: الاستثمار الحكومي او استثمار الدولة حيث تتولى الحكومات مهمة ادارة وانماء الثروة الوطنية لخلق موارد ثروة جديدة وايضا الاستثمار في البنى التحتية المادية التي يستحيل بدونها ممارسة معظم الانشطة الاقتصادية كالطرق والموانئ والمطارات وشبكات الاتصالات والكهرباء وبناء السدود وادارة الموارد المائية بالإضافة الى الاستثمار في الثروة البشرية.
فيما يمكن تعريف السياسة الاستثمارية على أنها ما ترغب الحكومة في تنفيذه أو الامتناع عنه فيما يخص الاستثمار.
المحور الثاني: الهيكلية التنظيمي لهيئة استثمار محافظة بغداد 
يقصد بالهيكل التنظيمي البناء أو الإطار الذي يحدد الإدارات أو الأجزاء الداخلية فيها، ويتخذ شكال هرمياً ويحتوي على مستويات إدارية يعلو بعضها البعض في قمته الإدارة العليا ثم الإدارة الوسطى وفي نهايته الإدارة المباشرة أو التنفيذية التي تشرف على المنفذين مباشرة.
تشكل في الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم هيئات استثمار تتمتع بالشخصية المعنوية ويمثلها رئيسها أو من يخوله وتمول من موازنة الإقليم أو المحافظة ولها صلاحيات منح إجازات الاستثمار والتخطيط الاستثماري وتشجيع الاستثمار ولها فتح فروع في المناطق الخاضعة لها بالتنسيق مع الهيئة الوطنية للاستثمار لضمان حسن تطبيق القانون.
أشار النظام الداخلي لهيئة الاستثمار في المحافظة غير المنتظمة في إقليم رقم (3) لسنة 2009 في الفصل الثاني منه وبالتحديد المادة (5) إلى الهيكل التنظيمي للهيئة بالقول: تتكون الهيئة من:
أولاً: القسم القانوني.
ثانياً: القسم الإداري والمالي.
ثالثاً: القسم الاقتصادي والفني.
رابعاً: قسم العلاقات العامة.
خامساً: قسم النافذة الواحدة وخدمات المستثمرين.
سادساً: قسم الرقابة والتدقيق الداخلي.
سابعاً: قسم إدارة الجودة الشاملة والتطوير المؤسسي. 
ثامناً: مكتب رئيس الهيئة.
تاسعاً: شعبة المتابعة.
وتسعى الهيئة من خلال مشاريعها الى:
1.    التوجه نحو المشاريع الاستراتيجية في القطاع السكني مع السعي الى زيادة تخصيص الأراضي للمشاريع السكنية.
2.  تقديم الدعم الى المشاريع الصناعية والزراعية وفق القانون.
3.    تهيئة بيئة استثمارية لاستقطاب رؤوس الاموال العراقية والأجنبية ودعم المستثمرين.
4.    العمل على تنويع مصادر الدخل القومي من خلال تنويع المشاريع الاستثمارية المجازة.
5.    توفير فرص عمل متنوعة من خلال المشاريع الاستثمارية.
هيئة استثمار بغداد أجازات العديد من المشاريع الاستثمارية في مختلف القطاعات حيث بلغ مجمل عدد الاجازات النافذة 500 إجازة، فيما كانت نتيجة المشاريع الاستثماري أن وفرت فرص عمل مباشرة وغير مباشر بنحو 60 ألف فرصة عمل، وتوفر المشاريع الاستثمارية عائد إلى الدولة سنوي أكثر من 5 مليارات دينار عن أجور متابعة المشاريع الاستثمارية للأعوام 2021 -2023، 25 مليار دينار و(7.883.170.590 ) دينار عن بدل ايجار أراضي المشاريع الاستثمارية و (41.199.741.000) دينار بدل تمليك.
مما تقدم واختصاراً للعديد من القطاعات والمشاريع الاستثمارية يمكن القول إن هذا التقدم في عدد المشاريع المنجزة والاجازات الاستثمارية الممنوحة هو نتيجة للحراك المستمر والتفاعل بين هيئة استثمار بغداد والوزارات والجهات ذات العلاقة وهو جهد لا يمكن نكرانه وهذا لا يعني المثالية في القول بل هو واقع الحال والمشاريع الاستثمارية خير شاهد ودليل.
 المحور الثالث: العراقيل التي تواجه الاستثمار عموماً وبغداد بشكل خاص
مرت التجربة الاستثمارية في العراق عموما ومحافظة بغداد على مدى هذه العقد المنصرم بمراحل ولاقت العديد من التحديات وهي على مستويين:
التحديات الداخلية:
من أهم التحديات التي واجهت الهيئة منذ تأسيسها هي قلة التخصيصات المالية لتطوير الموارد البشرية في الهيئة إضافة الى قلة كادر العمل، وتعد قلة التخصيصات هي أهم العوائق الداخلية والتي تحد من عملية تعيين خبراء والاستعانة بالخبرات المتخصصة من أجل تطوير العمل الاستثماري. كذلك حداثة التجربة الاستثمارية تجعل التحديات أكبر كون المنظومة التي تعمل معها الجهات القطاعية هي ذات تجربة استثمارية جديدة مما يجعل التحديات قائمة لحين التكيف الكامل للمؤسسات والجهات القطاعية مع القوانين التي تنظم العمل الاستثماري.
التحديات الخارجية:
هذه التحديات هي ليست من إطار عمل الهيئة بل هي خارجة عنها:
1.  تخصيص الأراضي: تعتبر عملية تخصيص الأراضي الخطوة الأساسية والأكثر أهمية في إقامة المشاريع الاستثمارية حيث لا يمكن إقامة أي مشروع دون تخصيص الأرض المطلوبة والتصاميم المقترح تنفيذها على أرض الواقع.
2.  تحويل جنس الأرض:
ان أغلب الأراضي والمساحات المراد إقامة مشاريع استثمارية عليها مسجلة أراضي زراعية مع العلم أن أغلبها لا يمكن استخدامها للزراعة بسبب ارتفاع الاملاح أو صعوبة تخصيص الحصة المائية لها وبالتالي هي مسجلة عدم إمكانية إقامة مشروع استثماري الا المشاريع الزراعية وإن عملية تحويلها جنس الأرض قد يمر بأكثر من عشر دوائر سواء الأرض تابعة لأمانة بغداد أو وزارة البلديات.
3.  المتجاوزون:
بعد العام 2003 ونتيجة ضعف القانون عموماً قام بعض المواطنين بالاستيلاء على بعض الأراضي وخاصة تلك التي هي ضمن حدود أمانة بغداد وإقامة العشوائيات السكنية عليها، وهناك العديد من المشاريع المراد العمل بها يحتوي جزء كبير من أراضيها على عدد من المتجاوزين الأمر الذي أعاق تنفيذ هذه المشاريع.
4.  الروتين الإداري:
يعتبر الروتين والبيروقراطية من أكبر العوائق التي تعتري العملية الاستثمارية والتي واجهة هيئة استثمار بغداد حيث كان الهدف من انشاء هيئات الاستثمار هو خلق نافذة واحدة تتعامل مع المستثمر لتسهيل إجراءات منح التراخيص من خلال تعيين مندوبين يمثلون الدوائر المعنية لديهم صلاحيات منح الموافقات إلّا أن أكثر الدوائر لم تعين مندوبين سوى بعض الدوائر التي التزمت.
المحور الرابع: تقييم أداء هيئة استثمار محافظة بغداد
هذا المحور خاص بتقييم أداء هيئة استثمار محافظة بغداد والذي يكون على شكل نقاط سنختصرها بالمخطط التالي:
  
 
 
 
 وعليه يمكن القول:
وفقاً لعدد الاجازات الممنوحة والمشاريع المنجزة بالكامل في العديد من القطاعات الاستثمارية مضافاً إلى التسهيلات التي تقدمها الهيئة قانونياً وادارياً بالإضافة إلى الإيرادات السنوية التي تأتي عن طريق بدلات ايجار عن المشاريع الاستثمارية وفرص العمل التي وفرتها الهيئة عن طريق المشاريع الاستثمارية وتفعيل المادة (30) أولاً من نظام الاستثمار رقم (2) لسنة 2009 والخاصة بتشغيل ما نسبته (50%) من اجمالي الايدي العاملة المحلية في المشروع، كذلك عقد الندوات والبرامج التلفزيونية وإصدار مجلة المستثمر، كذلك دعم المشاريع خلال جائحة كورونا من خلال استثنائهم من الحظر في العمل أو نقل المعدات. كل ذلك يشير إلى أن أداء هيئة استثمار بغداد كمؤسسة وعاملين وعمل يسير وفق وتيرة جيدة وهذا ما انعكس الواقع الاستثماري في المحافظة بغداد. 
الخاتمة:
يبقى الاستثمار في العراق عموما وبغداد خصوصا تتجاذبه المتغيرات المحيطة به سواء من حيث التعاون بين الجهات ذات العلاقة أو حتى القوانين والتعليمات الخاصة بالاستثمار أو الأمن وأهميته أو تهيئة البنى التحتية وكل متغير له مدخلية مباشرة أو غير مباشرة، كل هذا يجعل وتيرة العمل الاستثماري تتصاعد او تقل.
الاستنتاجات:
1.    على الرغم من أن التجربة الاستثمارية هي جديدة على الواقع العراقي إلا أن هيئة استثمار محافظة بغداد استطاعت أن تستثمر قانون الاستثمار وتعديلاته مما ساعدها على منح الاجازات الاستثمارية بشكل واسع داخل المحافظة.
2.    رغم التخصيصات المالية المحدودة سواء للموظفين في القطاع الاستثماري (الموظفين في الهيئة) مقارنة بـ (موظفي هيئة الاستثمار الوطنية) إلا أن هذا الأمر لم يؤثر على مستوى الأداء الوظيفي وبالتالي انعكس على الجهد المبذول لدى الموظفين في تقديم التسهيلات للمستثمرين من خلال مقر الهيئة أو داخل المشاريع الاستثمارية. 
3.    ان واقع الاستثمار في محافظة بغداد حقيقة يدعو الى أن تعمم تجربته على بقية المحافظات من خلال تجاوزها للعديد من المعرقلات أو حتى في جذبها للاستثمارات وبالتالي الزيادة الحاصلة في عدد الاجازات الممنوحة.
 
التوصيات:
يمكن أن تتخذ مجموعة من الخطوات:
1.    ضرورة الاستفادة من التجارب الاستثمارية الإقليمية أو الدولية.
2.    ضرورة تفعيل النافذة الواحدة لما لها من حل لأزمة البيروقراطية.
3.    نشر ثقافة الاستثمار في الأوساط العامة وحتى الأكاديمية.
4.    العمل على رفد المؤسسات التي تعمل بالاستثمار والجهات القطاعية الأخرى بدراسات حديثة عن آليات الاستثمار الناجح والإدارة الحديثة التي من شأنها دفع التجربة الاستثمارية نحو الأمام.
5.    فتح آفاق العمل المشترك مع المستثمرين الأجانب من أجل الاستثمار في العراق.
6.    الاعتماد على الاستثمارات لأنها الرافد الجديد للخزينة العامة.
7.    الاستفادة من الفرص الاستثمارية وفتح مجالات الاستثمار بشكل أكبر من خلال تذليل العقبات القانونية والإدارية.
 
 
2024-03-18 08:48 PM3695