الأعلانـــات
التطرف الفكري في التشريع العراقي وكيفية مواجهته
التطرف الفكري في التشريع العراقي وكيفية مواجهته
 
د. صبا فاروق خضر 
 قانون عام / جامعة بغداد

 تمهيد
التطرف الفكري هو التعصب لفكرة معينة واخذها بطريقة لا تقبل النقاش والاقبال عليها بما يتجاوز حد الاعتدال واليسر واللين والسماحة وتقبل الآخر ، مع الرغبة بفرضها على الآخرين بقوة ، وضرورة مواجهة هذا التطرف عن طريق النص على تلك المواجهة في الدساتير والقوانين الجنائية . 
 
 وكذلك هولفظ مرادف للانحراف والغلو الذي يترتب عليه العنف والإرهاب . 
وهو أيضاً مبالغة الشخص في فكرة او موقف معين دون تسامح او مرونة.
ومن الأسباب التي تؤدي الى التطرف الفكري :
1: الأسباب الاجتماعية والاقتصادية : من الأسباب الاجتماعية الجهل والامية -التربية الخاطئة ، اما الاقتصادية فمنها تردي الواقع الاقتصادي – تغلي المنفعة الخاصة .
2: الأسباب السياسية والدينية : الأسباب الاسياسي هي الاستبداد والحكم المطلق – الخلل المؤسساتي، اما الدينية فهي افتاوى الدينية الفاسدة – التكفير  .
3: الأسباب النفسية : ومنها العنصرية والخلل النفسي.
 
 المواجهة الجنائية للتطرف الفكري
     تتجسد المواجهة الجنائية للافعال الماسة بالمصالح عادة بنصوص القوانين العقابية بصورة خاصة والنصوص الأخرى بصورة عامة ، حيث ان نصوص الدساتير تركز على قدسية بعض الحقوق دون النص على العقوبة المناسبة لها، وذلك لان التحريم والعقاب من اختصاص القوانين الجنائية التي تضعها السلطة التشريعية تبعاً لاختصاصها المبين في الدستور. 
لذا سنبين النصوص الدستورية المتعلقة بالتطرف ، ومن ثم نعرج على القوانين العقابية الخاصة بذلك . 
1: المواجهة الجنائية في الدستور العراقي لسنة 2005: 
جاء الدستور العراقي لسة 2005 موزعاً على 144 مادة ، وقد ابتدء بديباجة اشارت الى موضوعات كثيرة منها تحريم العنف والتطرف من خلال النص على انه : 
لم يثننا التكفير والارهاب من ان نمضي قدما لبناء دولة القانون، ولم توقفنا الطائفية والعنصرية من ان نسير معا لتعزيز الوحدة الوطنية، وانتهاج سبل التداول السلمي للسلطة، وتبني اسلوب التوزيع العادل للثروة، ومنح تكافؤ الفرص للجميع .
هذا النص يدل على تحريم وتجريم الأفعال التي تم ذكرها من تفكير وإرهاب وطائفية وعنصرية . 
وتجدر الإشارة الى ان الديباجة او مقدمة الدساتير تتمتع بقوة قانونية معادلة للدستور مادامت جزءاً منه . 
وأشار الدستور العراقي ايضاً على تجريم التطرف والعنف بأي صورة كانت عليه من خلال النص على :
المادة 7: 
 اولا:- يحظر كل كيان او نهج يتبنى العنصرية او الارهاب او التكفير او التطهير الطائفي، او يحرض او يمهد او يمجد او يروج او يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت اي مسمى كان، ولا يجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون. 
 ثانيا:- تلتزم الدولة بمحاربة الارهاب بجميع اشكاله، وتعمل على حماية اراضيها من ان تكون مقرا او ممرا او ساحة لنشاطه.
يلاحظ من النص أعلاه انه حظر العديد من صور التطرف مثل ( العنصرية ، الارهاب، التكفير ، التطهير الطائفي او التحريض او التمهيد او التمجيد او الترويج او التبرير له) .
اذا وجب إيجاد نصوص جزائية ضمن قانون العقوبات تجسد. من خلال المعالجة الصريحة ما تضمنه الدستور العراقي في هذا النص ، وقد قام المشرع العراقي في توفير الحماية اللازمة من الجرائم الإرهابية من خلال سن قانون لمكافحة الإرهاب رقم 13 لسنة 2005.
2: المواجهة الجنائية للتطرف الفكري في قانون العبوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969:
لم يتطرق قانون العقوبات العراقي الى التطرف الفكري بصورة صريحة إلاّ انه ممكن ان نستنتجه من بعض النصوص الواردة فيه ، حيث نصت المادة 200  والتي جاءت من ضمن الجرائم الماسة بأمت الدولة الداخلي على :  2 – يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات او بالحبس كل من حبذ او روج ايا من المذاهب التي ترمي الى تغيير مبادئ الدستور الاساسية او النظم الاساسية للهيئة الاجتماعية او لتسويد طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات او للقضاء على طبقة اجتماعية لقلب نظم الدولة الاساسية الاجتماعية او الاقتصادية او لهدم اي نظم من النظم الاساسية للهيئة الاجتماعية متى كان استعمال القوة او الارهاب او اية وسيلة اخرى غير مشروعة ملحوظا في ذلك.
 ويعاقب بالعقوبة ذاتها:
 كل من حرض على قلب نظام الحكم المقرر في العراق او على كراهيته او الازدراء به او حبذ او روج ما يثير النعرات المذهبية او الطائفية او حرض على النزاع بين الطوائف والاجناس او اثار شعور الكراهية والبغضاء بين سكان العراق . 
ونصت المادة 201 من نفس القانون على : يعاقب بالاعدام كل من حبذ او روج مبادئ صهيونية بما في ذلك الماسونية، او انتسب الى اي من مؤسساتها او ساعدها ماديا او ادبيا او عمل باي كيفية كانت لتحقيق اغراضها.
فمن المعلوم ان مبادئ وأفكار الصهيونية متطرفة تهدف الى نشر العنصرية وتفترض التفوق النوعي بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى .
ويمكن ايضاً ان تستخلص ذلك من المادة 202 من ذات القانون والتي نصت على : 
يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنين او بالحبس كل من اهان باحدى طرق العلانية الامة العربية او الشعب العراقي او فئة من سكان العراق او العلم الوطني او شعار الدولة.
إضافة الى ماتقدم نجد ان المشرع العراقي عالج الجراىم الماسة بالشعور الديني ، اذ نصت المادة 372 على : 
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات او بغرامة لا تزيد على ثلثمائة دينار
1 – من اعتدى باحدى طرق العلانية على معتقد لاحدى الطوائف الدينية او حقر من شعائرها .
2 – من تعمد التشويش على اقامة شعائر طائفية دينية او على حفل او اجتماع ديني او تعمد منع او تعطیل اقامة شيء من ذلك .
3 – من خرب او اتلف او شوه او دنس بناء معدا لاقامة شعائر طائفية دينية او رمزا او شيئا اخر له حرمة دينية .
4 – من طبع ونشر كتابا مقتبسا عند طائفة دينية اذا حرف نصه عمدا تحريفا يغير من معناه او اذا استخف بحكم من احكامه او شيء من تعاليمه .
5 – من اهان علنا رمزا او شخصا هو موضع تقديس او تمجيد او احترام لدى طائفة دينية .
6 – من قلد علنا ناسكا او حفلا دينيا بقصد السخرية منه.
نلاحظ كل الصور اتي جاء بها المشرع في هذه المادة تتبع بلا شك تطرف فكري يستوجب النجريم .
واخيراً تجدر بنا الإشارة الى القول بضرورة تضمين قانون مكافحة الإرهاب على نصوص صريحة تجرم التكفير ، و ضرورة قيام المشرع بتعديل نص النادة 372 آنفة الذكر بأضافة فقرة جديدة فيها تشدد العقاب اذا كان الفعل العمدي ناتج عن تطرف فكري ، ونفس العقوبة تكون للمحرض او المشجع او الممول . كما ندعو الى إضافة نصوص جزائية في قانون العقوبات تجرم أفعال التمييز العنصري والجهر علناً بافكار متطرفة تعمل على حقن المجتمع سلبياً ضد بعضهم البعض ، وتجريم الجهر بالكراهية وخاصة ممن كان له مكانة الجتماعية او رسمية مؤثرة في المجتمع . 
 
2024-01-04 09:56 PM1945