الأعلانـــات
المقالات
عملية طوفان الاقصى وانعكاساتها على داخل "الكيان الاسرائيلي"

الدكتورة شهد غالب علي
الجامعة المستنصرية/ كلية العلوم السياسية
عضو الهيئة العامة للجمعية العراقية للعلوم السياسية


شنت حركة حماس صباح السابع من تشرين الاول/اكتوبر 2023 هجوما مباغتا استهدف مواقع لجيش "الكيان الاسرائيلي" في غلاف قطاع غزة، وتمكنت من السيطرة على قاعدة عسكرية كبيرة وعدد من المواقع ونقاط المراقبة التابعة للكيان الاسرائيلي المنتشرة على حدود القطاع، كما سيطرت وحدات كوماندوس التابعة للحركة على نحو 20 مستوطنة "اسرائيلية" داخل ما يسمى بـ" الخط الاخضر" وأسفرت هذه العملية غير المسبوقة وفقا للمعطيات التي أعلنها جيش "الكيان الاسرائيلي" مقتل اكثر من 1200 عسكري ومدني واصابة نحو 300 جريح بينهم العديد من كبار الضباط، كما اسرت حماس وفصائل اخرى اكثر من 130 "اسرائيلي". 
وفرضت العملية العسكرية النوعية طوفان الاقصى التي قامت بها حركة حماس وجناحها العسكري كتائب القسام معطيات جديدة لطبيعة الصراع الفلسطيني– "الإسرائيلي"، والسؤال الاهم الآن هو: ما هى دوافع حماس وأهدافها من شن هذه الحرب؟، وما انعكاسات هذه العملية على داخل "الكيان الاسرائيلي"؟ وتتمثل هذهِ الاهداف في: 
 1- تعزيز قبضة حركة حماس على القطاع: لقد عززت عملية طوفان الاقصى المكانة الشعبية لمسار المقاومة المسلحة، ومن شأن ذلك أن يعزز من شعبية وقبضة حماس على القطاع، وفي الشارع الفلسطيني بشكل عام، لاسيّما في ظل حالة الخفوت والتراخي التي اُتهمت بها خلال الفترة الماضية نتيجة عدم انخراطها في تصعيد الفصائل ضد إسرائيل. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا الموقف الجديد لحركة حماس سيؤثر بدوره على موقف السلطة الفلسطينية من زاوية كونها الطرف المسؤول للدفاع عن القضية الفلسطينية، وهو ما يشكل نقطة ضعف جديدة لاعتبارات مصلحة "الكيان الاسرائيلي". 
2-  إعادة الزخم للقضية الفلسطينية في مواجهة المشروعات الإقليمية الجديدة: لقد فرضت المعطيات الناجمة عن طوفان الاقصى القضية الفلسطينية باعتبارها رقمًا مهمًا لا يمكن تجاهله في حسابات المشروعات الإقليمية، وعليه تشير عملية "طوفان الأقصى" إلى انهيار المقاربة الاستراتيجية التي عملت عليها دولة الاحتلال تجاه القضية الفلسطينية، وهي ترسيخ الأمر الواقع و" إدارة الصراع"  مع الفلسطينيين دون الدفع باتجاه حلول لصالح الفلسطينيين، باعتبار أن التطبيع الإقليمي ينهي عمليا هذا الصراع. 
3- فرض قواعد اشتباك جديدة: شكل الهجوم للعملية العسكرية التي خاضتها حركة حماس قواعد جديدة للاشتباك تجمع بين المستويين التكتيكي والاستراتيجي فتوغل عناصرها في أراضي غلاف غزة التي تحتلها إسرائيل، برًا وجوًا وبحرًا، وعدم اكتفائها بالرشقات الصاروخية اي النمط المعتاد للتصعيد، فكان هذا تطورا ملحوظا في قدرات حماس، على نحو عكس حالة الانكشاف في عملية الردع التي تعانيها المؤسسات الأمنية والعسكرية "الإسرائيلية" تحت وطأة أزمات الداخل التي يواجهها الائتلاف الحكومي نتيجة سياساته المتطرفة. 
 4- تعزيز الموقف التفاوضي المستقبلي لحركة حماس: من شأن المكاسب التي حصلت عليها حركة حماس في ساحة المعركة خلال العملية العسكرية من خلال أسرها لعدد كبير من العسكريين الصهاينة، أن تعزز الموقف التفاوضي المستقبلي لحماس مع تل أبيب، والتي سيجعلها هذه المرة في موقف أضعف.
وعليه تشكل هذه المعطيات السابقة نقاط ضعف عميقة للموقف الأمني " للكيان الاسرائيلي"، واعتباراته المصلحية، وهو ما يتحمل مسئوليته الائتلاف الحكومي الراهن في "الكيان الاسرائيلي". 
 وفيما يتعلق بداخل "الكيان الاسرائيلي" فقد ألقت العملية العسكرية طوفان الأقصى بظلالها على داخل "الكيان الاسرائيلي" الذي يعاني بالأساس من أزمات عميقة يأتي في مقدمتها حالة الاستقطاب السياسي والمجتمعي، وتصاعد الاحتجاجات الشعبية ضد الإصلاحات القضائية، لتزيد هذه العملية من أعباء التحديات التي يواجهها الداخل، ولكن هذه المرة في المجال الأمني الذي ثبت انكشافه وضعف معادلة الردع التي ظلت تفخر بها المؤسسات الأمنية والعسكرية، ويحاول الائتلاف الحكومي الإسرائيلي برئاسة نتنياهو التعامل في الوقت الراهن مع تداعيات التصعيد الأخير وتحجيم آثاره المستقبلية على استقرار الحكومة التي يحمّلها الرأي العام الإسرائيلي مسؤولية ما حدث، نتيجة فشلها في الكشف عن مخطط الهجوم وتوقعه، وكذلك الفشل في التعامل معه.
وارتباطًا بمعطيات داخل "الكيان الاسرائيلي" وكذلك معطيات الوضع الراهن الجديد والتي فرضتها العملية العسكرية طوفان الأقصى فإنه يمكن قراءة المسارات المحتملة لانعكاسات التصعيد الأخير على الحكومة الإسرائيلية، وعلى النحو التالي:
1- تشكيل حكومة وحدة وطنية طارئة: يعد هذا المسار أحد الخيارات المطروحة بقوة في الوقت الراهن باعتباره يمثل المخرج الآمن للأزمات المطروحة حاليًا. في هذا السياق، التقى رئيس الوزراء نتنياهو، وكل من زعيم المعارضة يائير لابيد، وزعيم حزب الوحدة الوطنية بيني غانتس، في أعقاب التصعيد الأخير، وناقشا تشكيل حكومة طوارئ، ورغم إبداء المعارضة مرونة في الانضمام إلى حكومة طوارئ ضيقة ومهنية ووضع الخلافات جانباً، من أجل إدارة ما وصفه لابيد بـ"العملية الصعبة والمعقدة التي تنتظرنا"، بيد أنه أكد على "أنه سيكون من المستحيل إدارة حرب مع التشكيلة المتطرفة والمختلة للحكومة الحالية"، داعياً نتنياهو لاستبعاد حزبي "الصهيونية الدينية" و"عوتسما يهوديت" اليمينيين المتطرفين من الحكومة . 
ومن المتوقع أن يلقى هذا الخيار قبول نتنياهو الذي سيرى فيه طوق نجاة لاستمراريته في المشهد وامتصاص موجة الغضب المحتملة في أعقاب العملية العسكرية الراهنة، إلا أنه يفضل أن يتم ذلك دون الإضرار بعلاقته مع شركاءه في الائتلاف بحيث يُمسك العصا من المنتصف، حيث أبدى قبوله انضمام لابيد وغانتس بمناصب وزراء دون حقائب، وبالتالي، سيمثل ذلك إحدى العقبات التي ستقف حجر عثرة أمام تنفيذ هذا الخيار في ظل تمسك المعارضة وكذلك نتنياهو بشروطهما. 
2- الحفاظ على استقرار هش للائتلاف: قد يتجه رئيس وزراء "الكيان الاسرائيلي" وشركاؤه في الاتئلاف الحكومي إلى الإبقاء على الوضع الراهن، والعمل على تخفيف الضغوط الداخلية والقفز إلى الأمام، من خلال استغلال العملية العسكرية الأخيرة، وحشد وتعبئة الداخل لمواجهة الخطر الوجودي الذي طال استقرارهم على نحو غير مسبوق. بيد أن هذا المسار من شأنه تحقيق استقرار هش للائتلاف الراهن لأنه لن يلغي المسؤولية عن تداعيات العملية العسكرية، وكذلك حالة الاحتقان لدى الرأي العام "للكيان الإسرائيلي" جراء السياسات المتطرفة للائتلاف، خاصة تلك المتعلقة بالإصلاحات القضائية التي أدخلت الدولة العبرية في دوامة الأزمات الراهنة وأضعفت قدرتها على المواجهة.
إجمالاً، واجه داخل "الكيان الاسرائيلي" في الوقت الراهن واقعاً مأزوماً ومركبا من التداعيات، على نحو يجعل الخيارات المطروحة للحل محدودة ومتباينة التكلفة وفقًا لحسابات الأطراف المنخرطة في المشهد الراهن، خاصة أن الاعتبارات الشخصية ستكون حاضرة في حسابات تلك الأطراف.وعليه ستكسب المعارضة "الإسرائيلية" ضد نتنياهو زخماً كبيراً في المجتمع "الإسرائيلي" في المستقبل المنظور، مستخدمة تحذيراتها التي أطلقتها ضد الحكومة المتطرفة التي يقودها نتنياهو، وهو ما سيجعل من بقاءه وبقاء حكومته في الحياة السياسية وفي الحكم مشكوكاً فيه إلى حد كبير، وكما سيكتسب الخطاب العلماني في داخل "الكيان الاسرائيلي" زخماً جديداً، لاسيما أنه يطالب بوضع حد لنفوذ الأحزاب الدينية سياسياً، والتيار الديني ثقافياً، لعدم تكرار مواجهة إسرئيل لحروب مفاجئة تشن ضدها في المناسبات الدينية وعليه ستسعى المعارضة بعد انتهاء العملية الإسرائيلية "السيوف الحديدية" التي تخوضها تل أبيب في الوقت الحالي كرد على ما قامت به حركة حماس، إلى استغلال هذه النقاط لتأكيد سرديتها بشأن تعريض السياسات المتطرفة للائتلاف الحكومي الراهن أمن "الكيان الاسرائيلي" وحياة افراده للخطر. 
ختاما، سيرجح رئيس وزراء "الكيان الاسرائيلي" نتنياهو الخيار الأقل كلفة بالنسبة له، والذي يضمن استمراريته في المشهد أو ضمان الخروج الآمن، وسواء اتجهت الأمور إلى هذا الخيار هذا أو ذاك، فإن "الكيان الاسرائيلي" سيكون على موعد مع فصل جديد في صراعها مع الفلسطينيين او غيرهم وفقًا لمعطيات جديدة فرضتها عملية التصعيد الأخيرة، التي عززت حالة الضعف التي يعانيها داخل "الكيان الاسرائيلي"، والذي سيحتاج لسنوات طويلة لمعالجة آثاره.
 
2024-04-18 12:13 PM32